جاري تحميل ... المشرق بوست

إعلان الرئيسية

أخبار

إعلان في أعلي التدوينة

أخبارمدونات

مأمون سيد عيسى يكتب: في المدن المتعبة

.com/img/a/

تبدو المدن السورية متعبة، مريضة، وهي تحاول الخروج من حقبة الأسد. تتزاحم السيارات في شوارع دمشق وحماة، وتتقلص المساحات الخضراء، ليصبح العاصي وبردى بحيرتين من السيان. تتوقف النواعير في حماة حزناً على ذلك.


تتسابق الجرذان البيضاء في شوارع تلك المدن، لنشر الضباب الأسود، ويُحشر السوريون فيها كأنهم سمك في علبة سردين. تعود باصات "الهوب هوب" إلى دمشق؛ تلك التي كانت اختراعاً عبقرياً من إنجاز حقبة البعث في الستينيات.


تُنتهك حرمة المدن القديمة، فيصبح جامع النوري من عهد الزنكي جزيرة وحيدة في محيط من البناء المشوه. يُدمَّر حي الكيلانية تحت أقدام الغزاة في الثمانينيات، وتُنتهك حرمة المدينة القديمة في دمشق لتنشأ أحياء أسمنتية تبدو وكأنها أجنة مشوهة وُلدت في غير مكانها. إنه مخطط "إيكوشار" الفرنسي الذي صمم شارع الثورة وسوق ساروجة على هذا النحو، حيث تم شق المدينة القديمة لإظهار آثار الملوك التوراتيين كما قال المهندس. اخترق المشروع حي ساروجة بما مثّله للفرنسيين من مقاومة للمحتل، وتم تفكيك النسيج المعماري له. يحدث الأمر ذاته في الغوطة التاريخية التي كانت تُمثِّل ملاذاً آمناً للثوار، لكن الأسد يكمل ذلك بحرق الغوطة وأهلها بأنواع السلاح المدمرة. ولتهم الحرائق الإيرانية في دمشق القديمة محلات وبيوت العصرونية وساروجة، وأسواق الحميدية وباب الجابية والبزورية، بعد أن رفض أصحابها بيعها لأصحاب العمائم السوداء.


إنها الليلة، أتجول في شوارع تلك المدن فتهاجمني الوحشة وضيق الصدر. ليس ثمة إضاءة في تلك الشوارع، إلا أضواء شاحبة تأتي من بعيد. لا تزال البسطات على الأرصفة تستمر حتى وقت متأخر من الليل، وما زلت تسمع أصوات الباعة خلفها تقول: "يا جبار، اجبرنا يا الله". 

الوسوم:
التالي
هذا هو أحدث مقال.
السابق
رسالة أقدم

أكتب تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *