عبدالرحيم التاجوري
كاتب وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
بينما يُفتح فصل جديد في تاريخ سوريا، يبدأ البلد رحلة نحو حرية جديدة بعد انهيار نظام عائلة الأسد في 8 ديسمبر 2024. تمثل هذه اللحظة نقطة تحول محورية في السعي لإعادة بناء الأمة بعد عقود من القمع وفرصة فريدة لتأسيس نظام سياسي يعزز المشاركة ويزيل ظل الحكم الاستبدادي الذي خيم على الشعب السوري لأكثر من خمسين عامًا، حيث يتعطش الشعب السوري لنظام يستند إلى قيم احترام الحقوق والحريات الفردية، مع التركيز القوي على تعزيز التنوع السياسي والثقافي والديني، مما يقوي النسيج الاجتماعي. ومع ذلك، تواجه الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا تحديات كبيرة، بما في ذلك ضعف المؤسسات الحكومية، وانعدام الثقة بين شرائح المجتمع، فضلاً عن التدخلات الخارجية وقضية قوات سوريا الديمقراطية (قسد). جميع هذه العوامل تشكل عقبات حقيقية أمام المسار الجديد الذي يتم رسمه للأمة.
قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مرتبطة بالصراع المستمر في سوريا منذ أوائل عام 2014، عندما أعلن الأكراد السوريون عن تأسيس "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" كإطار مؤقت للحكم. شملت هذه الإدارة مناطق رئيسية مثل الجزيرة، كوباني، وعفرين.
وأعلنت هذه الإدارة أن هدفها الرئيسي هو القضاء على تنظيم "داعش" واستعادة جميع الأراضي. في عام 2016، توسعت هذه الإدارة لتعلن عن نظام اتحادي للمناطق التي تخضع لسيطرتها، والتي تمثل الآن حوالي 25% من مساحة الأراضي السورية.
كما تلقت قسد دعماً مالياً وعسكرياً مباشراً من الولايات المتحدة، وأصبحت شريكاً محلياً رئيسياً للقوات الأمريكية في جهودها لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، أن "الأكراد هم أفضل شركائنا في هذه المعركة ضد التنظيم".
مع سقوط نظام الأسد، شهدت خريطة السيطرة في سوريا تحولات دراماتيكية، و تعتبر تركيا هذا الانهيار فرصة رئيسية للقضاء على قوات سوريا الديمقراطية، التي تراها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وتصنفها كمنظمة إرهابية، أما الأن، تزداد الاشتباكات اليومية في شمال سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية والمقاتلين المدعومين من تركيا، بينما تظل القوات التركية في حالة تأهب عالية.
وتتزامن هذه الأحداث مع المطالب التركية العاجلة بنزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية وتعزيز أمن الحدود. وقد حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المقاتلين الأكراد سابقًا من التمرد، مؤكدًا: "إذا لم يلقوا بأسلحتهم، فإنهم سيدفنوا في الأراضي السورية."
على المستوى الدولي، تعتمد أنقرة على حليفها، المملكة المتحدة، في حربها ضد الأقليات الكردية منذ عام 2016. وعندما فشلت محاولة الانقلاب ضد أردوغان، التي يُزْعَم أنها كانت مدبَّرة من قِبَل واشنطن وحلفائها، تصاعدت التوترات بين تركيا والولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى تحالف غير عادي أقرب بين أنقرة ولندن على مدى السنوات الماضية، مما عزز الروابط بين البلدين.
وفي ضوء التوترات المتصاعدة مؤخرًا، زادت عدة دول في التحالف الدولي، خاصة بريطانيا، من دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). ولم يقتصر هذا الدعم على المساعدات العسكرية والمالية فحسب، بل توسع أيضًا ليشمل تنسيقًا أمنيًا واستخباراتيًا مكثفًا بين الاستخبارات البريطانية و(قسد)، يتم تنفيذه بشكل مستمر وسري.
وقد تأكد هذا التنسيق بعد اعتقال (قسد) لأربعة أعضاء من الجيش الوطني التابع لمجموعة العمشات بالقرب من سد الطبقة في ريف حلب، حيث أُكد أن اثنين منهما يحملان الجنسية التركية. وتم تنفيذ هذه العملية بدعم ومراقبة مباشرة من الاستخبارات البريطانية. علاوة على ذلك، تداولت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر أعضاء من الجيش الوطني في سجون (قسد)، يتعرضون للإهانة حيث تم إجبارهم على النباح وهم معصوبي الأعين.
وفقًا لخبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية علاء شرعبي، هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى تعاون وثيق بين المملكة المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الكواليس، مما يُشكّل تهديدًا كبيرًا للمصالح التركية في شمال شرق سوريا.
وأضاف علاء شرعبي أن دعم قوات سوريا الديمقراطية سيلحق الضرر بالعلاقات الودية بين أنقرة ولندن، وكذلك بعلاقتهما الإيجابية، خاصة بعد الدور البارز الذي لعبته المملكة المتحدة في إحباط الانقلاب العسكري الذي كاد أن يطيح بالرئيس أردوغان في عام 2016، والذي دبرته المعارضة التركية في ذلك الوقت. ويعتقد شرعبي أن المملكة المتحدة، مثل الدول الأخرى، تسعى للحصول على مزايا معينة، لا سيما في المنطقة الشمالية الغنية بالنفط والغاز في البلاد.
في سياق مرتبط، وتزامنًا مع زيارة مظلوم عبدي وبرزانى إلى أربيل، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي حديث عن اجتماع بين كريستوفر لي، القائد الثاني لشركة أجيز فورس (Aegis Forces) البريطانية الخاصة، وزعيم وحدات الشهيد هارون من قوات سوريا الديمقراطية.
ركز الاجتماع على تقديم دعم إضافي من الجانب البريطاني لقوات سوريا الديمقراطية وتنسيق الجهود بين الطرفين لمواجهة تركيا، مما يعكس العلاقة المتنامية بينهما في ظل الوضع المتوتر في المنطقة.
إعلان في أعلي التدوينة
التالي
هذا هو أحدث مقال.
السابق
رسالة أقدم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق