د. مأمون سيد عيسى
في السادس من شباط /فبراير 2023 داهم سوريا وجنوب تركيا زلزال مدمر اعتبر
من أكبر الكوارث الطبيعية التي مرت على المنطقة منذ عقود، حيث تسبب في مقتل و
إصابة عشرات الألاف من السوريين وتشريد مئات الالاف منهم ودمر ما لا يقل عن عشرة ألاف مبنى بدرجات متفاوتة في شمال غرب سوريا ,إضافة الى
تدمير مدارس ومنشآت صحية .
بعد زمن سوف تنجلي هذه الكارثة عن تداعيات كبيرة على كافة المستويات وسوف
تتشعب تلك الكارثة إلى مشاكل إنسانية واجتماعية واقتصادية جديدة ستضاف الى رصيد ما
سبقها لتشكل وضعا كارثيا في المنطقة بما تعنيه الكلمة .
سنعمل في هذا المقال على رصد موقف الأمم المتحدة في التعامل مع الزلزال
الذي أصاب شمال غرب سوريا بما يتعلق بقضايا الاستجابة للكارثة في موضوعي إنقاذ
الضحايا و دخول المساعدات الى المنطقة.
أولاً: أنظمة الاستجابة لدى الأمم المتحدة في حال
الكوارث وعدم تفعيلها تجاه مناطق شمال غرب سوريا.
ا- الآلية الأولى نظام استجابة فريق الأمم المتحدة
للتقييم والتنسيق في مجال الكوارث-انداك-
UN
Disaster Assessment and Coordination Team (UNDAC)
يعتبر انداك جزء من نظام الاستجابة لحالات الطوارئ الدولية وقد صمم لمساعدة
الدول المتضررة من الكوارث خلال المرحلة الأولى من حالات الطوارئ المفاجئة التي
تحدث في دول العالم كما يساعد في تنسيق الإغاثة الدولية الواردة على المستوى
الوطني في الأماكن المنكوبة وبإمكانه طلب حشد ودعم فرق البحث والإنقاذ للاستجابة لحالات
الطوارئ من كافة دول العالم.
في دراسة لاستجابة -فريق الأمم المتحدة للتقييم والتنسيق في مجال الكوارث
انداك-في كارثة الزلزال شمال غرب سوريا في فبراير 2023، وجدنا وفقاً للشبكة
السورية لحقوق الإنسان أنه لم يتم طلـب الحشـد والدعـم وفق هذه الآلية كي تتوجه فرق
الإنقاذ للاستجابة لشمال غرب سوريا بعد أن ضربها الزلزال، حيث أكد الفريق
الميدانـي للشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريره بعد تسعة أيام من حدوث الزلزال
(أنـه لـم يتـم حتـى الساعة إرسال أي فـرق للإنقاذ تابعـة لفـرق الأمم المتحـدة
لتقييـم الكـوارث والتنسـيق للمنطقة المنكوبة في شـمال غـرب سوريا مما فاقـم عـدد
القتلـى الذيـن وثقتهم الشبكة) وهذا أمر مستغرب وربما يحدث للمرة الأولى في تاريخ
الكوارث.
ب-الآلية الثانية للإنقاذ المجموعة الدولية الاستشارية
لفرق البحث والإنقاذ
INTERNATIONAL
SEARCH AND RESCUE ADVISORY GROUP (INSARAG).
تعتبر (INSARAG) شبكة عالمية تضم أكثر من 90
دولة ومنظمة تحت المظلة الأممية حيث تتعامل مع القضايا المتعلقة بالبحث والإنقاذ
إضافة للألية السابقة -انداك-وذلك عبر ارسال فرق البحث والإنقاذ للمناطق المنكوبة
إضافة الى وضع منهجية للتنسيق الدولي في الاستجابة للزلازل، وذلك بناء على إرشادات
المجموعة التي حددتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بما يتعلق باستجابة هذه الآلية لزلزال فبراير في مناطق شمال غرب سوريا، كان
من المفترض منــذ الســاعات الأولى للزلــزال تحريــك ألية (المجموعــة الدوليــة
الاستشارية لفــرق البحــث والإنقاذ- INSARAG) لتوجيه فرق الإنقاذ عبـر
الحـدود التركيـة إلى شمال غرب سوريا، فيما لم يتم تفعيل آليات أخرى كما اسلفنا.لكن الملاحظ أن هذه
الألية أيضا لم يتم تفعيلها بما يتعلق بمناطق شمال غرب سوريا التي أصابها الزلزال
بل تركت الأمم المتحدة السوريون في المنطقة يموتون وهم عالقون تحت الأنقاض مما أدى
إلى ازديادٍ كبير في أعداد الضحايا والجرحى، لقد أكد الدفاع المدني السوري عدم
تلقيه أية معدات بحث وإنقاذ لدعم فِرَقه، التي لم تتوقف عن العمل منذ الساعات
الأولى عن عمليات البحث والإنقاذ و ناشد المجتمع الدولي لتقديم آليات ثقيلة ومعدات
لرفع الصبات الإسمنتية والأنقاض”، مشيراً إلى أن “ما يملكونه من معدات لا تكفي
لإنقاذ ضحايا الكارثة غير المعهودة التي ضربت البلاد”. لكن صدى صوت تلك الاستغاثة ضاع في الفضاء.
-لقد بينت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها أن استجابة الأمم
المتحدة وفق الآليات السابقة كانت سوف تحدث فرقاً كبيراً في إنقاذ عدد من الضحايا
الذين ماتوا تحت الأنقاض ويعتقد التقرير أن هناك عوامل لم يتم الكشف عنها وبحاجة الى
التحقيق للكشف عن الدواعي خلف هذا الموقف المتخاذل.
ثانيا مناقشة ذرائع الأمم المتحدة في تبرير تخاذلها بإدخال
المساعدات للمتضررين من الزلزال في شمال غرب سوريا
أ-ذريعة تضرر الطرق من الزلزال: فــي السابع من شباط خرجــت المتحدثــة
باســم مكتــب الأمم المتحـدة لتنسـيق الشـؤون الإنسانية ماديفـي سـون بتصريـح
قالـت فيـه (إن تدفـق مسـاعدات المنظمـة المهمـة توقف مؤقتاً بسبب الأضرار التي
لحقت بالطرق ومشكلات لوجستية أخرى مرتبطة بالزلزال)
في الرد على ذلك نبين أن موقع شبكة سوريا لحقوق الإنسان أوضح أن عشرات
العربات والسيارات تمكنت من نقل جثث السوريين من ضحايا الزلزال في تركيا عبر باب
الهوى بتاريخ 7 و8 من فبراير شباط , أي بعد حدوث الزلزال بيوم أو يومين وهذا يدل
أن الطرقات المؤدية إلى معبر باب الهوى كانت سالكة والمعبر كان مفتوحاً أيضاً،
علماً أن مستودعات الأمم المتحدة تقع قرب مدينة الريحانية الحدودية على بعد 2 كم
من معبر باب الهوى وكان هذا الطريق سالكاً.
ب-ذريعة أن معبر باب الهوى هو المنفذ الممكن لدخول المساعدات منه حصراً وفق
قرارات مجلس الأمن.
في الرد على ذلك نبين: لقد أعاد الأمين العام للأمم المتحدة امتياز فتح
المعابر وإغلاقها لنظام الأسد حين طلب منه فتح المعابر وبدل أن يستخدم صلاحياته
بتفعيل كافة المعابر الممكنة، انتظر ثمانية أيام الى حين أعطى نظام الأسد موافقته
على استخدام معبرين آخرين إضافيين إلى معبر باب الهوى، وهما معبرا الراعي وباب
السلامة اللذان تسمح الحكومة التركية باستخدامهما أمام القوافل الإغاثية أساساً
قبل هذا التصريح. ويُذكَر أن مجموعة من الخبراء القانونيين حول العالم كانوا قد
وقَّعوا رسالة نشرتها صحيفة the Guardian
بعد صدور قرار مجلس الأمن 2156 تؤكد (عدم
الحاجة لتفويض مجلس الأمن، أو أي جهة أخرى لمرور المساعدات الى شمال سوريا).
لقد كان موقف الأمم المتحدة بما يتعلق بإدخال فرق الإنقاذ وكذلك المساعدات
صفحة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة وموقفا لن ينساه السوريين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق