بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
كشفت المقاومة الإيرانية عن هذه الحقيقة لأكثر من 30 عاماً وعملت بها وتلك الحقيقة هي أن "النساء جديرات بالقيادة السياسية للمجتمع الإيراني"، وقد أحدث هذا الكشف تحولاً كبيراً في صفوف المقاومة الإيرانية وخاصة قوتها المحورية التي قل نظيرها أو لا نظير لها في نضالها ضد الدكتاتورية، ومن وجهة نظر قيادة المقاومة الإيرانية فإن "معيار أهلية المرأة وجدارتها في هذا المسير هو في ساحة الممارسة الاجتماعية وفي معركة المواجهة ضد الدكتاتورية"، وبنظرة إلى قائمة شهداء المقاومة الإيرانية، ونظرة إلى المشهد الحالي للمقاومة وبنيتها العملية خاصة في الإعداد وقيادة الانتفاضات الشعبية ضد نظام ولاية الفقيه في داخل إيران تتجلى هذه الحقيقة جيدا.
ورغم أن مشهد الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني ضد السلطة الإيرانية يشكل وثيقة معبرة في هذا الصدد إلا أنه أيضاً يعد كافياً بالقدر الذي يتيح التأمل به لمعرفة المسار الذي سلكته وما هي العوائق الموجودة والقائمة حولها والتي يجب تجاوزها.
ومما لا شك فيه هو كراهية النظام الإيراني للنساء، وكذلك المجتمع الذكوري؛ ذلك لأن هذه الدولة كانت على الدوام تحت سلطة حكم نظام دكتاتوري وذكوري، وفي المقاربة الشكلية وحتى الأُنثوية للمشكلة أيضاً بقيت النساء مستضعفات ويوضعن في إطار نوع من الأسر، وفي مثل هذه المواقف المتخلفة تم الاكتفاء ببعض حقوق المرأة قبل ن يتم النظر إلى "حرية المرأة وتحررها"!
في الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني ضد الحكومة كان لدى النساء دورٌ لا يمكن استبداله لكن الموقف المُشار إليه أعلاه قد جر أتباعه مباشرة إلى اللعب في ملعب النظام واختصروا الحديث في كون الحجاب أو عدمه (الحجاب أو بدون الحجاب) ونزولا عند ذلك سلكوا مسيراً أدى في منتهاه إلى ضحك وسخرية الدكتاتورية! في حين أن الحديث عن الانتفاضة حتى إسقاط الدكتاتورية لم يكن مبنياً لا على حجابٍ أو بدون حجاب بل كان على تحرير إيران من النظام الدكتاتوري، وبُناءاً عليه رددت طلائع الشعب الإيراني في انتفاضتهم في شوارع إيران إننا " ماضون قُدماً نحو الثورة سواء كان ذلك بحجابٍ أو بدون حجاب".
وعلى ضوء هكذا موقف الصحيح ألا تكون النساء عامل إنقسام في المجتمع بل عامل وحدة وتقدم في مسير الحرية؛ ذلك لأن المرأة ليست نصف المجتمع فحسب بل هي أيضاً رمزاً لكل المجتمع الذي اختار أن يكون "حراً" في مواجهته ضد الدكتاتورية وإحقاق الحرية للمجتمع؛ إنهن يستحقن هكذا مكانة وليس فقط نصف المجتمع!
وبطبيعة الحال فإن مثل هذه القفزة في المجتمع تتطلب تغييراً جذرياً في موقف الرجال ونهجهم، وعلى الرجال الذين اختاروا مثل هكذا معادلة أن يخطووا نحو الحرية والمستقبل ويتجنبوا تبعات الموقف الدكتاتوري أو الذكوري، ولحسن الحظ أن هكذا استعداد موجوداً في المجتمع الإيراني ويجب تعزيزه.
تتمتع الهيئة القيادية الجماعية لانتفاضة الشعب الإيراني الآن بهكذا قوة وموقف في شؤون النساء من أجل التقدم وتوجيه الاحتجاجات الشعبية ضد الدكتاتورية، ذلك لأنه تم تجربتها قبل سنين وطبقتها في بنيتها وبرامجها وأنشطتها وانتصرت متجاوزة على مثل هذه العقبات واستطاعت أن تحفظ وتحمي الشعب من لدغة مثل هكذا أفكار ورؤى والتي كانت تمثل العامل الرئيسي للأنظمة الحاكمة.
وفي ضوء هكذا ثروة وكنز والتي هي مُعززةٌ للجبهة الشعبية الإيرانية وتقويةً وتمتيناً لوحدة مختلف الشرائح الوطنية والدينية والإنسانية، وبالتالي تشخيص وُجهِة واتجاه الحركة الشعبية و"تحييد المؤامرات الاستعمارية الرجعية"، وتحديد مشاريع وبرامج وواجبات مختلفة من أجل «غد إيران الحرة»، وفي مثل هكذا سياق يتعلم كل إمرأة ورجل مناضِلَينِ أن يفكروا في "الوطن" و"الشعب" وليس في "أنفسهم" و"أمهاتم"!
مؤخراً، وفي الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني دعمت ألف شخصية نسائية من جميع أنحاء العالم مقاومة المرأة الإيرانية ودورها القيادي في الانتفاضة وذلك ضمن دعم برنامج المواد العشر للسيدة مريم رجوي من 10 نقاط. وقد أعلنوا أنه: " بدأت انتفاضة كبرى في إيران في الـ 16 من سبتمبر 2022، وقد كانت النساء والفتيات رائداتها، وإن رغبة الشعب الإيراني بشكل عام نساءاً ورجالاً هي إنهاء الدكتاتورية الدينية وإقامة جمهورية ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن السلطة والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات"، ومن بين من وقع على هذا البيان 50 وزيراً، ورؤساء وزراء، ونواب رؤساء جمهوريات ورؤساء جمهوريات سابقين، و175 نائباً برلمانياً، وحائزين على جائزة نوبل، وفنانين ورياضيين ومسؤولين في جمعيات ومؤسسات من 5 قارات و67 دولة، وجاء في هذا البيان أيضاً: "إن شجاعة النساء ودورهن الريادي في هذا النضال لم تكن ظاهرة وليدة الساعة بل هي متجذرة بقوة في 100 عام من مقاومة النساء الإيرانيات ضد الدكتاتوريات المشاهنشاهية والدينية"، وإن كراهية النساء سمة بارزة في نظام ولاية الفقيه وأحد أسس سلطة حكم الملالي، وإن الشعب والشباب وخاصة نساء إيران عازمون على وضع حد لدكتاتورية القرون الوسطى هذه، وفي المقطع الأخير من البيان يؤكد الموقعون على ما يلي: "نُعلن نحن الموقعون على هذا البيان عن تضامننا مع 3600 برلماني من جميع أنحاء العالم وكذلك 123 من رؤساء الجمهوريات ورؤساء الوزراء السابقين الذين يدعمون مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وندعم برنامج المواد العشر من أجل الحرية والمساواة وإقامة جمهورية ديمقراطية، ومساواة الكاملة بين النساء والرجال في جميع المجالات وخاصة الحق في الإختيار الحر للملابس والرداء".
كلمة أخيرة
تركز المقاومة الإيرانية بموقف واقعي تجاه المجتمع وفهم عميق للدكتاتورية في إيران على تعزيز تقدم انتفاضة الشعب الإيراني ضد الأنظمة الكارهة للنساء التي حرمت إيران والإيرانيين من الحرية لمئات السنين وأزهقت أرواح مئات الآلاف من الأشخاص، وخاصة النساء الإيرانيات، وفي مسير حركتها أزالت سر غموض السنين الذي لم يتم حله، وباتت مفاتيح إطلاق البوابات المغلقة في يديها، وبات الأمر متروكاً للقوى السياسية الوطنية الإيرانية للتوافق والاصطفاف في "اختيارٍ" مصيري حاسم مع هكذا قوة.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق