بعد دخول قوات النظام والميليشيات الإيرانية إلى مدينة معدان بريف الرقة الجنوبي عام 2018 وارتكابها جرائم عديدة بحق المدنيين فيها، اضطر عدد كبير منهم للنزوح باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” وإقامة مخيمات عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، تاركين خلفهم جميع أملاكهم ومتعلقاتهم الشخصية التي استولت عليها هذه الميليشيات.
“كوثر العلي”، سيدة في العقد الثاني من العمر من أهالي مدينة معدان متزوجة ولديها طفل، اضطرت للهرب مع عائلتها باتجاه قرية “العكيرشي” بريف الرقة الجنوبي الشرقي بعد دخول المليشيات الإيرانية إلى مدينتها، حيث اضطرتها الظروف المعيشية القاسية للعمل بصيد الأسماك بنهر الفرات بغرض مساعدة زوجها على تأمين مستلزمات الحياة لعائلتها الصغيرة.
لم تكن كوثر تظن يوماً أن حياتها ستتغير وأنها ستعمل بمهنة الرجال، لكن الظروف والحالة الاجتماعية والمادية دفعتها لتقف مع زوجها ويفكرا في مصدر للرزق يعيشان منه، فكانت مجاورة نهر الفرات دافعاً لهما ليبحثا عن رزقِهما في النهر من خلال تعلم مهنة صيد الأسماك وبيعها.
قالت كوثر في حديثها لمنصة SY24:” كُنت ربة منزل بسيطة، أقوم بعملي اليومي العادي، لكني اليوم دخلت معترك الحياة بقوة ونافست الرجال بعزم، كانت نقلة نوعية من منزل كبير في قريتنا إلى خيمة صغيرة، ومن آلة الخياطة الناعمة إلى شبكة الصيد القاسية، حياتنا صعبة جداً”.
استطاعت كوثر أن تتعلم حياكة الشبك ونسجه ومن ثم نظمه ورميه في النهر بسرعة كبيرة، لتعتمد بعد ذلك على قوة الجسد في سحب الأسماك من الفرات الأمر الذي شكل لها تحدياً كبيراً بالنسبة لها بسبب ضئالة حجمها وضعف بنيتها الجسدية، إلا أنها استطاعت أن تنجح في تسلم دفة قيادة القارب والتجديف به بحرفية عالية، وبعد محاولات عديدة وتدريب شاق أصبح الأمر بالنسبة لها سهلاً وممتعاً في نفس الوقت.
لم تقف التحديات بالنسبة لها عند هذا الحد بل تعداه لتتعرض للتنمر من الرجال أنفسهم الذين يعملون في ذات المهنة، لكنها استطاعت بصبرها وعملها أن تكسب احترامهم لأنهم رأوا فيها نموذجاً للمرأة المكافحة التي تُساند زوجها بقوة ولم تجلس مكتوفة اليدين.
الصحفية “ليلى أحمد” أوضحت لمنصة SY24 أن ” العشرات من نساء مدينة الرقة اضطرتها الحرب إلى تغيير أعمالهم ومهنهم الأساسية التي تعلموها بوقت سابق، وحتى من يملكن شهادات جامعيات انتهى المطاف بهم ليعملن بأعمال صعبة، وأن معظم جامعيات الرقة اليوم يعملن بمهن لا تتناسب مع تحصيلهم العلمي، فمنهم من لديه شهادة جامعية في الإعلام انتهى بهم الأمر للعمل في مطعم لبيع الفلافل في المدينة”، على حد تعبيرها.
مركز”TIP TOP” للتدريب المهني قام بإرسال فريق لتدريب “كوثر العلي” أكثر على الصيد، وقام بتزويدها بقارب وشبك جديدين أصبحا ملكاً لها، وانتهت مع ذلك فكرة استئجار القوارب ومشاركة الأخرين قواربهم، ليفتح ذلك “أمامها النهر وأن صبرها ونجاحها في إثبات نفسها لم يذهب سُدى”، كما قالت.
عائق آخر لم يكن بحسبان كوثر خلال فصل الصيف وهو مهمة تصريف بضاعتها من الأسماك التي تحتاج بيع سريع في ظل غياب مكان للتخزين أو التبريد، فجعل ذلك بعض التجار يبتزون العائلة برزقها التي اضطرت لقبول بيع السمك بسعر لا يُضاهي أبداً سعر السوق وسعر غيرهم من صيادي الأسماك في المدينة.
عشرات العوائل في مدينة الرقة تعتمد الصيد مصدراً لرزقها منذ عشرات السنين لمجاورة النهر الوفير بالأسماك، حتى أن صناعة القوارب وحدادتها أصبح أمراً سهلاً بالنسبة لحدادي الرقة، الذين تفننوا بصناعة القوارب الصغيرة للصيد، إلا أن انخفاض منسوب نهر الفرات زاد من معاناة الصيادين الذين يؤكدون فقدانهم لأنواع كثيرة من الأسماك كانت تكثر في الفرات عندما كان بمنسوبيه الحقيقي في العام 2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق