جاري تحميل ... المشرق بوست

إعلان الرئيسية

أخبار

إعلان في أعلي التدوينة

العالم العربيمدونات

الديمقراطية والإسلام .. ما بين الإباحة والتقييد

 

أنس عبد اللطيف

مفهوم الديمقراطية وأسباب النشأة:

لكي نتناول مفهوم الديمقراطية أو النظام الديمقراطي لابد من العودة لأصل المصطلح وأسباب نشأة النظام الديمقراطي. لذلك الأصح هنا أن الديمقراطية كلمة إغريقية تعود جذورها للدولة اليونانية وتحديداً مدينة أثينا.وهي تتألف من كلمتين وتعني حكم الشعب نفسه بنفسه.

أما أسباب نشأة نظام الحكم الديمقراطي والذي يجهله الكثيرون أنه نشأ في أثينا كنقيض للنظام "الارستقراطي" والمقصود به حكم النخب أي إقصاء شرائح من المجتمع من السلطة وحق التصويت وتركز تلك الميزات لدى شريحة محددة.

والديمقراطية حالها حال التجارب الأخرى خضعت لتحديثٍ وتطويرٍ مستمر مع تغير آليات وأساليب الحكم. ففي القرن السابع عشر والثامن عشر، ومع تفجر الثورات في الغرب وتحديداً أوروبا كان الدافع للمطالبة بنظام ديمقراطي هو تسلط واستبداد الملك ورجال الكنيسة على الناس وإرهاقهم بالضرائب لتأمين حياة رغيدة لرجال الكنيسة وحاشية الملك. وبرز عدد من المنظرين في تلك الحقبة لمشجعين لترسيخ قواعد الديمقراطية ، أبرزهم جان جاك روسو الذي سطع نجمه بعد اندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789 ميلادي.

المشرع الإسلامي وموقفه من الديمقراطية:

بداية وبعد معرفة السبب الذي دفع الشعوب في الطرف الآخر من العالم للمطالبة بالنظام الديمقراطي كنظام رسمي للدولة ،علينا أن نلقي نظرة على واقعنا كدول إسلامية وعربية ، قبل قرن من الزمن لم يكن موضوع نظام الحكم الديمقراطي أو غيره من الأنظمة محل جدل أو مطلب للناس في ظل وجود دولة تستمد سلطانها من إرثها الديني وهي الدولة العثمانية التي كانت تبسط سلطانها على مناطق واسعة من الدول العربية والبلقان وأجزاءٍ من أوروبا.

لكن بعد أفول نجم الدولة العثمانية وسيطرة الاستعمار على أجزاء واسعة من المناطق العربية ومحاولته كسر إرادة الشعوب العربية بدأت المطالبة الشعبية بنظام حكم يمكنهم من المشاركة في اتخاذ القرارات والمشاركة في آليات الحكم عندها بدأ الحديث عن نظام الحكم الديمقراطي متأثراً بنجاح هذا النظام ولو بشكل جزئي في عدد من الدول الغربية .ومع مغادرة المستعمرين واستبدالهم بمستبدين محليين بصفة حكام أو مسؤولين أكثر قسوةً وفساداً. زاد الغليان الشعبي والمطالبة بنظام حكم يضمن لهم حقوقهم ويصون كرامتهم لكن الحقيقة أن المطالبة بالحرية من خلال نظام حكم برلماني ديمقراطي كان الهدف منه كبح جماح الحاكم المستبد والحد من سيطرة شخص أو عدة أشخاص على مقاليد السلطة والمطالبة بتوزيع عادل للثروات و الحد من الاستبداد والقمع السياسي وتفجر ثورات الربيع العربي في 2011 لم تكن أهدافه مغايرة لتلك الأهداف التي أتينا على ذكرها.

أما مشروعية الديمقراطية من عدمها كانت محل جدلٍ واسع عند المشرع الإسلامي فمنهم من قال بتحريمها بالمطلق لأن مصدر السلطات في الدول الإسلامية مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات الفقهاء والمشرعين وهذا ينافي مبدأ هام في الديمقراطية الغربية الليبرالية وهوأن إقرار التشريع من الشعب بالأغلبية يجعل منه ملزماً ولا ينظر لموافقته الشرائع السماوية أو مخالفته.

أما مشرعين آخرين أباحوا الديمقراطية كونها نظام حكم مستحدث ومواكب لأنظمة الحكم في دول المركز كما يطلق عليها

أو الدول المتقدمة من وجهة نظرهم .وبين الرأيين خرج مشرعين أباحوا استخدام آليات ونظم الحكم الديمقراطي وفق شروط ومحددات تتناسب مع البيئة الاجتماعية المحافظة والموروث الثقافي والديني .وبينوا أنه يمكننا التعامل مع أنظمة الحكم الديمقراطي بشكل أكثر مرونة وتليينها بما يتناسب مع الشرائع السماوية وترك الأمور الشائبة والجدلية وأخذ التجربة الديمقراطية بالكلية.

أوجه التشابه بين نظام الحكم الديمقراطي والإسلامي:

من المعلوم أن آلية الحكم في الإسلام قائمة على ركيزتين أساسيتين ، الأولى اختيار الحاكم المسلم من أهل الصلاح والأمانة، وأما الثانية وهي الشورى والتي تتألف من مجلس أيضاً يكون من أهل الصلاح ويمثل أطياف واسعة من المسلمين ويشير على الحاكم بأمور الدولة والقرارات الهامة لكي لا يكون الرأي لرجل واحد وبالتالي ينفرد بالحكم لوحده. وهذا المبدأ يقارب مبدأ النظام البرلماني في أنظمة الحكم الديمقراطي حيث يُلزم الحاكم العودة لتصويت البرلمان في قرارات السلم والحرب وإقرار الموازنة العامة وغيرها.

وحتى آلية اختيار الحاكم وعلاقته بالمحكوم قد تختلف بين أنظمة الحكم الإسلامية والديمقراطية الليبرالية ولكنها تتشابه في الهدف والغاية وهي اختيار الشخص الأصلح والأنسب والمقبول شعبياً لتولي زمام السلطة.

وأنا رأيي الشخصي أن استيراد تجربة ونظام حكم من دولة مختلفة عنا قومياً ودينياً ومختلفة في تركيبتها السكانية والاجتماعية أمر غير صائب

والأجدر دراسة نظم وآلية الحكم الديمقراطي مثالاً وأخذ الجوانب التي تتوافق مع بنية مجتمعنا المحافظ وما يحقق ويلبي طموحات الشعب المتطلع لحرية طال انتظارها ولم تشرق شمسها بعد، والابتعاد عن التعامل مع الديمقراطية على أنها فلسفة موحدة المبادئ ، وكما هو معلوم أن الغاية من نشوء الدول الإسلامية أو غير الإسلامية هو الاستقرار والتطوير وليس الثورات المستمرة .لأن الثورة تأتي لتصحيح مسار وإسقاط ديكتاتورية ولا يجب أن تتحول لمنهج دولة أو حكم والاستقرار لا يمكن أن يصبح واقعاً مع غياب المحاسبة لرأس هرم السلطة وهذا أيضاً من الأمور المتشابهة بين نظام الحكم الإسلامي والديمقراطي ففي كلا النظامين يحاسب الحاكم وكبار المسؤولين ولكن تختلف آلية المحاسبة والأسباب الموجبة لكن المبدأ والغاية واحدة .

ختاماً ليس المطلوب دمج الشرع الإسلامي بنظام الحكم الديمقراطي وتكوين نظام حكم هجين لأن ذلك قد يسبب انقسامات مجتمعية حادة بل المطلوب فهم التجربة الديمقراطية ودراستها بشكل معمق وتطبيق ما يتناسب مع شخصيتنا التاريخية وهويتنا الحضارية ومصادر التشريع الثابتة والمعمول بها وأعتقد أننا كشعوب ما زالت تحكم بسلطة ديكتاتورية مستبدة لم نتنفس بعد حريتنا أمام استحقاق هام وهو التخلص من السلطة المستبدة وبعدها يمكن دراسة آلية ونظام الحكم الأجدر والأكثر قبولاً لدى الشعب وتطبيقه مع أخذ العبر والدروس المستفادة من تجارب الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *