تدخل هذه الدراسة إلى عالم أمراء الحرب الذين تشكّلوا في مناطق النظام وبرعايته، خلال سنوات الحرب، فكوّنوا ثروات هائلة، وملؤوا فراغات مالية تشكلت بفعل الظروف العامة، وتدرّجوا صعودًا إلى قمّة المشهد الاقتصادي، فباتوا أكثر وجوه الاقتصاد السوري ورموزه فاعلية، وأكثرهم تعبيرًا عن المشهد الاقتصادي الراهن وعن السياسات الاقتصادية المتبعة.
تحددت غايات البحث من منطلق الإجابة عن الأسئلة التالية: ما الظروف التي مهّدت لظهورهم؟ وما آليات تشكلهم؟ وما منابتهم الاجتماعية والاقتصادية والأمنية؟ وما مدى ارتباط ثرائهم السريع بكلٍّ من الظرف الموضوعي والتدخلات السياسية والأمنية الفاعلة؟ ومن هم أبرز أثرياء الحرب، بالأسماء، طبقًا لآليّات تشكلهم ومنابتهم الهجينة ومقدار نفوذهم ومدى ثرواتهم وجهة ارتباطاتهم الإقليمية أو المحلية؟
وسعى البحث للإجابة عن الأسئلة التي تشير إلى علاقة دور النخبة الحاكمة بأماكن ولادة أمراء الحرب الجدد، وإلى دوافعها السياسية والاقتصادية لاحتضانهم وتعويمهم، كبديل عن أذرعها الاقتصادية القديمة، من خلال تتبع مسارات صعودهم من خط النشوء، إلى قيادة قاطرة الاقتصاد السوري، على حساب النخب القديمة التي وجدت نفسها بين التهميش والإلغاء. وحاول البحث رصد التداعيات الاقتصادية العامة الناجمة عن هذه التحولات، على مستوى السياسات الاقتصادية المتبعة، وعلى الواقع المعيشي الكارثي الناجم عنها.
هدف البحث، من إلقاء الضوء على هذه الظاهرة ورصدها وتحليلها، هو فهم ظروفها وقراءة تداعياتها على الواقع السوري، بإحاطة أكثر اتساعًا، إذ سعى لكشف الحقائق، بالأسماء والتفاصيل والوقائع، والدخول إلى جوانب لم تتطرق إليها الدراسات السابقة التي أضاءت زوايا محددة لعالم أثرياء الحرب الجدد في سورية.
لقد فرضت طبيعة الظاهرة، بتفاعلاتها المتحركة في المشهد السوري المعقّد ونظام المعلومات المغلق والكابح لتمرير الوثائق والبيانات الرسمية الكافية والدقيقة، اتّباع مزيج مركّب من القراءة الوصفية التحليلية، والاستقرائية، بغية رصد الظاهرة ومتغيراتها ومآلاتها في الواقع السوري الراهن، حيث انطلقت الدراسة من رصد تداعيات التحوّل السريع لاقتصاد الحرب في سورية، بعد عام 2011، وما صاحبه من فقدان التحكم المركزي في الاقتصاد السوري، ومن نشوء ديناميات اقتصادية مرتبطة بالسياق العنفي، وصولًا إلى تحوّل التربّح المالي إلى هدف رئيس من أهداف الحرب، وعامل من عوامل استمرارها.
لقد سمحت الديناميات الجديدة لفئةٍ من أشخاص هامشيين، من القاعَين الاقتصادي والاجتماعي، بمراكمة ثروات هائلة، عبر استغلال ظروف الحرب وتداعياتها، لتحتلّ تلك الفئة -بالتدريج- واجهة القيادة المالية، على حساب النخب القديمة (بشقيها التقليدي تاريخيًا، والشق المتكون بعد عام 2000)، التي شكّلت لزمن طويل الوجه الاقتصادي للنظام، وبدا أنها غير قابلة للاستبدال أو الإزاحة، بوصفها الامتداد العضوي والذراع المالي الأوحد للنظام، أمثال رامي مخلوف وعماد غريواتي ومحمد حمشو.
توضيح
بسبب التكتم الشديد من قبل الدوائر الحكومية السورية، وتعذر الحصول على معلومات موثقة وفيرة تساعد في بناء دراسة موثقة أصولًا، وعدم وجود دراسات سابقة حول الموضوع، فقد تم بناء هذه الدراسة من خلال معلومات موثقة من ناحية، ومن ناحية أخرى معلومات ميدانية من أشخاص يقيمون في سورية، ويراقبون ما يجري، إضافة لمقالات كثيرة تم نشرها في مواقع إلكترونية عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق