وفيما كانت أنظار السلطات هناك تتجه من كثب إلى السواحل لمنع عبور قوارب المهاجرين إلى ضفافها، تمكن في الأثناء البعض منهم من الاحتيال على هذه الحواجز والعقبات، بعقد زواج صوري أو متفق عليه، يمكنه من خلاله تسوية وضعيته القانونية، ومن ثم حصوله على أوراق الإقامة أو الجنسية في أوروبا.
وعلى خلفية كثير من حوادث الاحتيال والنصب والتلاعب العاطفي، التي كثيراً ما تعرض لها الطرفان على حد سواء، استدعى هذا النوع من الزواج الرمادي أو الأبيض المبتكر، والمسميات كثيرة، انتباه وسائل الإعلام والسلطات الرسمية، للكشف عنه ومعاقبة مرتكبيه.
ما الزواج الأبيض؟
الزواج الأبيض أو الزواج الصوري، هو زواج يكون بين طرفين على ورق فقط، تنتهي مدته بحصول أحد الطرفين على وثائق الإقامة في أوروبا أو الجنسية، فيما يحصل الطرف الثاني على مبلغ مالي متفق عليه مقابل ذلك.
ويجرى هذا النوع من الزواج، وفق أطر قانونية وفي دوائر رسمية.
فوفق المادة 12 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، يمكن للمواطنين الأوروبيين الزواج من أشخاص في وضعية قانونية غير نظامية.
إذ تنص المادة على أنه "اعتباراً من السن القانونية للزواج، يملك الرجل والمرأة الحق في الزواج وتأسيس أسرة وفقاً للقوانين الوطنية التي تحكم ممارسة هذا الحق. ويستحيل منع الزواج بحجة الدين أو لون البشرة أو الوضعية القانونية في البلد الذي يعيش فيه. وعندما يتزوج الشخص، لا يشترط وجود دليل على وضعه الإداري".
وبالتالي، وفيما يكفل القانون هذا الحق، لجأت السلطات وفرق الادعاء، في كثير من الأوقات، إلى تعيين جلسات استماع، للأزواج المشتبه في إبرامهم عقد زواج صوري، وللتثبت من كافة الدلائل والبراهين.
وقد أقرت فرنسا على سبيل المثال، عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة قدرها 15000 يورو، لكل من يتورط في هذا النوع من الزيجات، ضمن ترسانة من القوانين القمعية لهذا النوع من الاحتيال. ومع ذلك يصعب مكافحة ذلك لأنه من الصعب محاكاة النيات عند الاستجواب والتثبت.
ولا يخضع الزواج الأبيض دائما إلى الاتفاق بين الطرفين، إذ يلجأ في بعض الأحيان، المهاجر غير النظامي إلى التلاعب العاطفي والاحتيال لإقناع الطرف المقابل بعقد زواج، ينتهي مباشرة بعد تسوية وضعيته القانونية وحصوله على أوراقه الثبوتية.
ضحايا الزواج الأبيض
تحدث عدد كبير من الشباب العربي والمغاربي بالأخص، إلى وسائل إعلام محلية وأجنبية، عن تجاربهم القاسية مع الزواج الصوري.
فقد تعرض كثير منهم إلى الاحتيال، إذ تنكر الطرف الثاني الذي أبرم معه الاتفاق والذي يحمل جنسية أجنبية، لوعوده، واختفى بمجرد استلامه آلاف اليوروهات.
ولم يحالف الحظ كثيراً أولئك الذين نجحوا في التوقيع على عقد الزواج، إذ اضطروا بعد ذلك لتحمل الابتزاز المستمر من الطرف الآخر بإنهاء العلاقة، ودفعوا مقابل ذلك مبالغ مالية كبيرة أكثر من المتفق عليها في البداية، حتى حصولهم على الأوراق القانونية، وبعضهم لم ينجح في ذلك في النهاية.
وفي إطار تتبع هذا النوع من الزيجات ومكافحته، تمكنت السلطات الأوروبية أيضاً، من تفكيك عصابات إجرامية، متخصصة في عمليات "الزواج الأبيض". وكان من بينها شبكة مغربية إسبانية تختص في توريط أوروبيات مدمنات على الكوكايين في عقد صفقات "الزواج الأبيض." ويتراوح المبلغ المالي في مقابل "الزواج الأبيض" بين حوالي سبعة آلاف إلى 13 ألف دولار.
ومع تفشي هذه الظاهرة، بدأت الحكومات الأوروبية، فعلاً في فرض مزيد من القيود والشروط للتحقق من جدية الزواج، كفرض بقاء الزوجين فترة طويلة معاً قبل تسوية الوضعية القانونية. كما يرسَل باحثين اجتماعيين للقيام بزيارة فجائية للزوجين، للمعاينة.
كما رُفِض عديد من طلبات الزواج، بحجة أنها "زواج أبيض".
ولا تزال هذه الإجراءات عاجزة عن الكشف عن جميع الحالات ومنعها، في الوقت الذي يسعى فيه الشاب لفعل أي شيء مقابل "الجنة الموعودة" حسب اعتقاده. TRT عربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق