جاري تحميل ... المشرق بوست

إعلان الرئيسية

أخبار

إعلان في أعلي التدوينة

أخبارالعالم العربيدولي

درعا السورية.. هل ستلجأ روسيا للتهدئة إرضاء لأمريكا؟

 



يصرّ النظام السوري على شنّ هجوم ضد المعارضة السورية في درعا جنوب سورية، كي يُنهي آخر جيوب المعارضة في الجنوب السوري، لكن تطوّرات الأحداث لم تساعده في ذلك، بالرغم من تفوّقه عسكريًا، ويبدو أن التوازنات السياسية والدولية تتغير بعكس رغبته.

بعد شهر كامل من حصار مدينة درعا من قبل قوات النظام السوري، وقصف المدينة بالمدفعية، ومشاركة ميليشيات موالية لإيران له في هذا الحصار، وتهديده بتحويل درعا إلى حقل زراعي، إن لم يستسلم المقاتلون، ويسلّموا كل من عارض النظام، بالسلاح أو الكلمة؛ لم يستطع النظام السوري تحقيق ما يريد، بالرغم من تفوق آلته العسكرية الواضح في مواجهة مئات المقاتلين بأسلحة بسيطة، لكن يبدو أن صمودهم الجريء، وفهمهم لجزء من اللعبة السياسية، غيّر الصورة ومسار الحدث، حتى الآن على الأقل.

قيادة موحّدة:

للمرة الأولى تتعامل معارضة محلية سورية، سياسية وعسكرية، بطريقة سياسية مدروسة، على الرغم من ضعف إمكاناتها وانعدام حلفائها، فقد أعلنت الفصائل المسلحة العاملة في جنوب سورية أنها وحّدت نفسها، وأنشأت غرفة عمليات تضم الجميع، وأعلنوا استعدادهم لصد هجمات النظام السوري، وشددوا في رسالة إلى العالم على أنهم أدّوا كل الالتزامات الدولية للاتفاقيات الضامنة لوقف التصعيد وللتفاوض السياسي، ولم يعد لديهم سوى القتال حتى النهاية “ضد الأسد وميليشياته، وضد كل أذرعه الإرهابية من داعش وغيرها”.

أعلنت المعارضة السورية في درعا إنشاء غرفة عمليات طوارئ مدنية لإغاثة النازحين، وشدّدت على أنها لن تبقى في الأحياء السكنية، حتى تُجنّب المدنيين الاستهداف، وأعلنت عن مرجعية وقيادة سياسية واحدة، وناطق واحد باسمها، وكان موقفها مصيريًا، على الرغم من الضغوط والتهديدات التي لو نفّذها النظام لأدّت إلى مقتل كثير من المدنيين، بأنّ أهالي درعا سيبقون ويُقاتلون حتى الموت، أو أن يتم نقل جميع سكان المدينة، حوالي 50 ألف إنسان، دفعة واحدة كلاجئين إلى الأردن، لأنهم لن يبقوا في دولةٍ يحكمها النظام السوري، الذي سيقوم برأيهم بالانتقام من كل سكان المنطقة التي ثارت ضدّه.

كذلك كان التنسيق عاليًا بين الممثلين السياسيين للمعارضة المحلية، والعشائر التي تمتلك سطوة معنوية على كثير من أهالي محافظة درعا، فقد أصدر “مجلس عشائر حوران” بيانًا سياسيًا بامتياز، ومتوازنًا جدًا، أكّد فيه أن النظام السوري “بدلًا من أن يُثبت قدرته على إدارة البلاد، عمل على عكس ذلك، وأن أهالي درعا أحسنوا إدارة مناطقهم قبل عودة سيطرة النظام”.

ومن هذا المنطلق، أكّد المجلس أن زمن المركزية في سورية قد ولّى إلى غير رجعة، وطالب بنظام لا مركزي في سورية، وأن تختار المحافظات والمناطق ممثليها للإدارة، وأن تُحاسبهم من خلال القانون والشفافية والعمل المؤسساتي، وشدّد على أن السوريين الثائرين ضد النظام السوري ليسوا حاضنة للإرهاب أو للتطرف، وإنما قاتلوا الإرهاب وظواهره قبل النظام، ورفضوا الطائفية التي قالوا إن النظام هو من زرعها، وأنهم لن يقبلوا أن يكونوا أسرى للفاسدين والمجرمين بعد اليوم، وأكّد أنه يجب الخروج من نفق الاستبداد والحكم الشمولي، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والانتقال السلمي للسلطة، وفق القرارات الدولية وخاصة القرار 2254.

بالمقابل، لم يقدّم النظام السوري أي مبادرة، ولم يتجاوب مع المطالب الدولية العديدة التي تُدين الهجوم على درعا، واستقدم المزيد من القوات العسكرية تمهيدًا لاقتحام المدينة، بغض النظر عن الخسائر البشرية، وعزّز قبضته على درعا ومنع عنها المواد الأساسية والكهرباء.

إدانات وتحذيرات:

أدانت فرنسا الهجوم الذي نفذه النظام السوري على مدينة درعا وخلّف قتلى، وشدّدت وزارة خارجيتها على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، استنادًا إلى القرار الأممي 2254، وجددت رفضها الحل العسكري، كذلك أدانت الولايات المتحدة هذا الهجوم على درعا، ووصفته بأنه “وحشي”، ودعا وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى إنهاء فوري للعنف، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كلها، وفق القرار الأممي 2254، وبدوره حذّر الاتحاد الأوروبي من مخاطر التصعيد في درعا جنوب سورية، ودعا مكتب جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في درعا دون إعاقة من أحد، وأمميًا، دعا جير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، الجميع إلى احترام القانون الإنساني الدولي، ووقف القتال والتصعيد، والالتزام بحماية المدنيين في درعا.

كلّ التهديدات والتحذيرات الأميركية والأوروبية والأممية لم تُؤثّر في النظام السوري، الذي قرر خوض المعركة حتى النهاية في درعا، وهي الوحيدة تقريبًا في سورية التي ما زال فيها مقاتلون غير أيديولوجيين ولا يرتبطون بأي دولة ولا يحملون فكرًا متشددًا وأصوليًا.

يطالب القرار 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، جميع الأطراف في سورية بالتوقف عن شن الهجمات ضد أهداف مدنية، ويطالب الأمم المتحدة بأن تجمع بين الطرفين، النظام والمعارضة، من أجل الدخول في مفاوضات رسمية، وإجراء انتخابات حقيقية ومراقبة من قبل الأمم المتحدة، بهدف إجراء انتقال سياسي في سورية، وهذا القرار وافق عليه النظام السوري نظريًا، لكنّه لم يُنفّذ أيَّ بندٍ منه عمليًا، ويُماطل بكل الوسائل لوضعه طيّ النسيان في الأجندة الدولية.

لم تحصل المعارضة السياسية والعسكرية في درعا إلا على هذه الإدانات، دون أي تحرّك حقيقي لوقف مجزرة مُحتملة، فقررت المعارضة في درعا بحدسها السياسي، أو ربّما نتيجة يأسها من المجتمع الدولي، اللجوء إلى الطرف الروسي، على الرغم من أنها تُدرك أنه يقف إلى جانب النظام كلّيًا، وطالبت روسيا أن تدخل كوسيط بينها وبين النظام، وذكّرتها بأن عليها أن تُحافظ على عهودها ومواثيقها بخفض التصعيد وعدم قتل المدنيين، وإيجاد حلّ يكون مرضيًا لكلّ الأطراف، وهي تُدرك أن روسيا لا تريد التصعيد في جنوب سورية، بسبب حساسية وخصوصية هذه المنطقة التي تقع على مرمى حجر عن إسرائيل والأردن.

رأت المعارضة في درعا أن صراعات القوى الإقليمية والدولية اليوم لا تسمح للروسيا ببساطة أن تُدمّر جنوب سورية، وإن أخطأت روسيا في درعا فستتعرض سمعتها الدولية للخطر، كما ستتهدد صدقيتها كحاكم سياسي لسورية، وأن الدول المؤثرة في الملف السوري ستتخذ موقفًا من روسيا، إن ساعدت النظام السوري عسكريًا في تدمير درعا وارتكاب مجازر، بالرغم من أن روسيا معنيّة بتمكين النظام السوري من السيطرة على مساحات أوسع من جنوب سورية، لكنّ إسرائيل تريد بدورها أن يبقى التوازن الحالي قائمًا، لأنه يضمن عدم اقتراب الميليشيات الإيرانية من حدودها.

تدخّلَ الروس كوسيط، وحاولوا تهدئة الأوضاع، ولجموا نسبيًا النظام السوري، وعقدوا اجتماعات عدة مع ممثلي المعارضة في المدينة، وآخر ما توصّلوا إليه تلقّيهم مشروع خارطة طريق روسية لإنهاء المشكلة في درعا، أبرز نقاطها اعتبار معبر “السرايا” ممرًا إنسانيًا للخارجين والداخلين إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا، وتسيير دورية روسية في محيط درعا لمراقبة وقف إطلاق النار، وتسليم مجموعات المعارضة سلاحها الخفيف للروس، فيما قدّمت المعارضة لائحة بجميع المعتقلين، وطالبت بإطلاق سراحهم ووقف كل الخروقات التي تقوم بها قوات النظام والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.

مواقف وآراء:

يحيى العريضي، المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية، قال إن النظام السوري وروسيا وإيران، جميعهم في مأزق، ويعانون أزمة بسبب درعا، واصفًا تلك المنطقة بأنها “صورة مصغّرة عن سورية وتُلخّص قصتها”، وأوضح “النظام بمأزق، ويريد بسط سيادته على ما يستطيع من سورية، في حين لا أدوات بيده، إلا بقايا جيش يتظاهر بالثقة به، كما أنه يعتمد على ميليشيات لها أغراض… وبوتين بدوره مأزوم، يريد جنى سياسيًا، ولا يحصل عليه، ويعرف السبب… وإيران ذاتها في أزمة، ولكن مخططها الخبيث يستمرّ، ولها ملفها النووي، وتريد المفاوضة على مصير الآخرين من أجله، كما أن لها مشروعها في المنطقة، وهاجسها المزاودة على أهل القضية بالمقاومة والممانعة، والأهم تريد أن تكون على الحدود في الجنوب تنعم بدفء إسرائيل وتضمن الحدود، وتريد منفذًا لمخدراتها باتجاه الأردن والخليج”.

الدبلوماسي المنشق بشار الحاج علي، قال: “إذا بدأ الحلّ بتهجير المقاتلين فسيؤدي إلى اقتحام قوات النظام للبيوت والانتقام من مهد الثورة، وبحسب البنود المسرّبة فإن النظام لم يتنازل في أي بند منها”.

المستشار حسن الحريري، عضو اللجنة الدستورية، قال إن روسيا “إذا تأكد وجود بند التهجير لغير الراغبين في التسوية ضمن خارطة الحل الروسي، فإن ذلك لن يكون في صالح أهالي درعا”.

سليمان القرفان، نقيب المحامين الأحرار في درعا، قال: “لا يوجد أي ضمانات تجعل الطرف الروسي يلتزم بالاتفاقات”، وأضاف: “يجب على أهالي درعا وممثّليهم الاحتياط من الطرح الروسي، لعدم تكرار السيناريو ذاته الذي تعيشه المحافظة اليوم”.

الباحث أحمد أبازيد، قال: “مصير الحل في درعا معلّق على طبيعة تطبيقه، وليس البنود المكتوبة… بلا شك سنشهد تجاوزات من النظام، وإن بدأت روسيا بتسيير دورياتها في المدينة، وأعتقد أن من المبكّر الحكم على مصير الحل حتى نرى كيف سيُطبّق”.

موسكو غير الحيادية:

ليس خافيًا أن روسيا شاركت النظام السوري في محاربة المعارضة السورية وتدميرها، وليس خافيًا السلاح الذي جرّبته بالسوريين المعارضين للنظام، وليست خافية تلك التقارير المختصة التي تحدثت عن ارتكاب روسيا لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية، وأنها وقفت إلى جانب النظام وأننقذته من الانهيار السقوط، وأيضًا يمكن استذكار ما فعلت روسيا في درعا، التي تقوم اليوم بدور الوسيط بين المعارضة في الجنوب السوري وبين النظام السوري.

منذ ثلاث سنوات، استخدمت روسيا طيرانها الحربي لقصف معاقل المعارضة في جنوب سورية، واستطاعت أن تقسم المعارضة السورية المسلحة باتفاقيات انفرادية في محافظة درعا، وجعلت الفصائل تنهار ببطء، وبسبب الروس وافق أحد أكبر الفصائل العسكرية المعارضة في جنوب سورية على عقد اتفاق صلح مع قوات النظام السوري، وُصف في ذلك الحين بأنه اتفاق استسلام، يقضي بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ووقف كل العمليات العسكرية، والسماح للنظام بدخول المنطقة لتأمين أمنها وإعادة مظهر الدولة لها، مقابل إشراك قائد هذا الفصيل في العمليات ومنحه بعض امتيازات مناطقية، وتشكيل فيلق له.

الأهم في ذلك الاتفاق، أو خارطة الطريق السابقة، أن الروس أكّدوا في بنود الاتفاق أن مشكلة المعتقلين والمخطوفين لن تُحل إلا عبر “مجموعة أستانا”، وهي مجموعة ترعاها روسيا وإيران وتركيا، وهدفها الأساس سحب البساط من مؤتمرات جنيف التي رعتها الأمم المتحدة وصارت بنودها أساسية وجوهرية لحل الأزمة السورية سياسيًا، ومعروف أن مسار أستانا لا يُطالب بتغيير النظام ولا بالانتقال السياسي، وإنما، في أحسن الأحوال، بقيام النظام السوري ببعض الإصلاحات التدريجية وتغيير أو تعديل الدستور. في ذلك الوقت، قامت إسرائيل بإبلاغ موسكو وواشنطن موافقتها على انتشار قوات النظام السوري في الجولان على الحدود مع إسرائيل، ووضعت شروطًا لذلك، أهمّها ألّا تدخل معها أيًّا من الميليشيات التابعة لإيران، أي أن إسرائيل كانت بشكل واضح شريكة لروسيا في تقرير الوضع الجيو سياسي في جنوب سورية. لا يمكن تخيّل أنّ أي تسوية تحاول موسكو فرضها في جنوب سورية لا يمكن أن تُبقي الأمن الإسرائيلي غير واضح الترتيب، ولا يمكن تخيّل تخلّي إسرائيل عن مطلب ابتعاد القوات الإيرانية والموالية لإيران عن حدودها.

الانتظار:

تطمح موسكو إلى تطوير العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة، وهي تتوافق مع الولايات المتحدة بضرورة الضغط على إيران في المنطقة وتقليص نفوذها، ومن المستبعد -حتى الآن على الأقل- أن تتجاهل موسكو الموقف الأميركي وتسمح للنظام والميليشيات الإيرانية بالسيطرة على الجنوب السورية كلّه.

في ظلّ التعقيدات والمعطيات الراهنة، من المُرجّح أن تلجأ موسكو إلى تهدئة الأوضاع في جنوب سورية، مع تعزيز موقفها مع المعارضة والنظام، وتحسين موقفها التفاوضي الدولي، من خلال إيجاد حلّ وسط في درعا، يلجم الحل العسكري والمجازر في الوقت الراهن، ويُضعف نفوذ إيران قليلًا، ويحقق مكاسب لروسيا، وقد يخفف من حدّة الوقف الأميركي، خاصة لجهة وقف العقوبات والقيود الاقتصادية على سورية، وعلى الشركات الروسية التي ترغب في العمل في سورية، وفتح مسار تنسيقي مع واشنطن، وإلى حين استقرار الوضع على مسار واضح في درعا، ستظلّ هذه المدينة السورية، التي انطلقت منها الثورة السورية قبل عشرة أعوام، رهينة بما تطمح إليه روسيا وما تسمح به الولايات المتحدة وإسرائيل.
مركز حرمون للدراسات المعاصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *